الأحد، 17 مارس 2013

قتيل أسى



يومًا بعد يوم, تتحول لغتنا العربية إلى مجرد مزهرية جميلة توضع على الرف. ما هي إلا منظر لطيف, نتباهى به لكن لا نستعمله في حياتنا, وندّعي أنها غير قادرة على مواكبة الزمن المعاصر. هنا يأتي شاعرنا الأستاذ محمد قبازرد ليثبت عدم صحة هذه الادعاءات. الأستاذ قبازرد معروفٌ بقصائده الدينية في مدح ورثاء أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله , كقصيدتيه "حوار مع نصرانية" و"عجبت كيف يبيت", وما نعرف عنه سوى أنه صاحب ثقافة واسعة وأنه متمكّن من اللغة العربية وعلومها. اليوم أود أن أتحدث عن قصيدته "قتيل أسى", والتي كتبها في مدح لاعب كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي.


يقوم الشاعر بسرد بعض المواقف ليستدل بها على الصفات التي يرى بأنها تميز شخصية اللاعب ميسي, وذلك بأسلوب قصصي سلس يشوبه بعض الفكاهة والتهكم الساخر. في القصيدة الكثير من مشاعر الحماسة التي تشبه إلى حد ما قصائد الجاهلية وصدر الإسلام والكثير من الحكم مخبوءة في أبياته بمعانٍ ودلالات عظيمة, وهذا يدل على فطنة الشاعر ورجاحة عقله.

شاعرنا في أسلوبه وصياغته واختياره للكلمات كالشعراء القدامى في عصور رفعة وجمال اللغة العربية, وقد تحتاج لأيام حتى تتمكن من سبر أغوار هذه القصيدة, وإلى أكثر من معجم لفهم الكلمات ومعانيها وهناك قوة وشدة في كل شطر من القصيدة, كأن الأبيات بنيان مرصوص.

استخدم الشاعر الشعر العربي العمودي لغرض معاصر, وهذا لا يبين لنا موهبة الشاعر وذكاءه فقط, بل يؤكد لنا أن اللغة العربية تستطيع مواكبة الأحداث ونستطيع أن نوظّفها في مجالات حياتنا اليومية العديدة. لن نتمكن من التقدم حتى نجعل لغتنا تسابق اللغات الأخرى وتنافسها في الرقي, ولن نصل للنجاح حتى تكون لغتنا هي الركن الذي نعتمد عليه في كل مجالات الحياة.





*القصيدة*



قتيل أسىً وظهر الأرض رمسي*لدهرٍ جدّ في دهسي وهرسي
يرنحني خُمارُ الخطب منه*فيُسكرني بلا خمرٍ وكأسِ
صروفٌ, ما راعَينَ الله فيمن*غدا يرعى السّها يقْضَ التأسي       (السها:كويكب صغير خفي الضوء)
وما لومي السها ما أسعدتني*وطالع كوكبي في السعد نحسِ
كأن بنات دهري من نطافِي*وأم دوَاهيَ الأيامِ عُرسي
كأن موحداتٍ ناسكاتٍ*رجمن متاركًا صلوات خمس
كأني في مواجهة الليالي*دفاعٌ مبتلىً بقدومِ ميسّي
تشغّف يعربًا بجلاد تركٍ*وحسْنِ فِرنجةٍ ودهاء فرس
قصيرٌ والقصار أولوا ذكاءٍ*لهم فوق البديهة صدق حدسِ
بصيرٌ يجتلي الخافي نهاهُ*بمُصبِحِ  ظِنّةٍ كيقينِ مُمسي              (النُهى: العقول)
وإني والريال هوى فؤادي*لَمُبحرُ في مدايحهِ ومرسي
خفيُّ مدبِّ خطوٍ ذو انسلالٍ*كرقطاءِ الحشيفةِ ذات جرسِ
يطَوِّقُ عنق حرّاس المرامي*وبالتسديد يصرعُ لا بنَهْس            (النهس: نهسه الكلب أي عضَّه)
فذا (كازياسُ) من فزعٍ كـ(خيَّا)*و(فان در سارُ) من هلعٍ كـ(حَبسي)
وأفجع منهما رزءًا شباكٌ*تشَقُ فعزّها للرتقِ مُكسي
تراوده الملاعب عن تُقاه*تبادله هوى ليلى لقيس
وقد يجِدُ الجماد لنَأي حيٍّ*كَوَجدِ أخِ نوىً عرصاتِ دُرْس   (يجد: من الوَجد أي الحزن)
تبلُّ لجسِّ أخمصهِ كُراتٌ*براها الركلُ تستشفي بجسِّ
وتُرعى منعةً منه وحفظًا*كحدقةِ عينِ مُحدَقةٍ بقوْسِ
وتصدقُ ظنّ ناظِرِها لصوقًا*بهِ أم ساقهُ دُهِنت بِدِبس
إذا ما مدّه (زاڤي) بعونٍ*نمَا كالرقمِ مرفوعًا لأسِّ
وإن غابَا عن (البرسا) تبدَّى*كأدرَدَ عاجمٍ من غيرِ ضِرس        (أدرد:ليس في فمه ضرس)
أمدخولان؟ أم سُكِنا بجنٍ*فما تدري أم اختُبِطا بمسِّ
يُتِمَّانِ التكامل بازدواجٍ*بصدِّ لغارةٍ وهجومِ عكسِ
ثُنائيٌّ يُضعضِعُ كل صَعرٍ*ويُرجِعُ كل ذي مكرٍ بِنُكسِ
فمن مُغضٍ وراعشةٍ يداهُ*وصافقِ راحةٍ خمسًا بخمسِ
وأي القوسِ لا ترمي بوترٍ*وأي النَّبلِ لا تُسمي بقوسِ
هما وسواهما في الشأنِ حالًا*بناتُ النّعَشِ دون جوارِ كُنسِ
وكوكبةٌ متى رأت المباري*أرَته الجن في أشباه أنسِ
تُباكِر شمسه بخسوفِ كرٍ*وتمحقُ بدره بخسوفِ عسِّ
إذا ندبتهُمُ الكرة افتكاكًا*مضوا كفراشِ حول سنيّ قبسِ
وإن مضَّ السَّقامُ الفرد فيهم*جَزوهُ مؤاثرينَ بحملِ كأس        (مضَّ: أوجع)
فهم إسلامنا أدبًا ولينًا*ونحنُ كشركِهم عنتًا بشُكسِ
غَرسْتَ (كرويفَ) بذرتهم وإنّا*لنَقطفُ فاكهينَ نتاجَ ضَرس
زمان شممتَ خطتهم أداءً*فتَلمَذتَ الدنا ببليغِ درس             (الدّنا: جمع الدنيا)
وقيمة كلّ ذي كبدٍ كَفاءٌ*لِرابي هِمةٍ وهزيلِ عَنسِ
فلو أنسى فلا أنسى انكسارًا*وذلَّ هزيمةٍ نكرا بخمسِ
عشيةَ لا شماتَتُه المُناوي*مهادنتي ولا مددًا لِحرسِ
بدا (البيرنابيو) موحشةٌ رُباهُ*كبالِ رسمِ مؤتفِكات رسِّ
تودِّعُ سَعدها الأنصار فيه*وتُقري نازِلَيْ كدرٍ وتعسِ
وذاتُ الثدي ظمأى المني فيهم*وكاسد فرجها ملقىً لنخسِ
تلاعبَ مفردًا بجموعِ خصمٍ*تلاعبَ راقمٍ بِحروف طَرْسِ
ومرَّ عليهِمِ ريحًا عقيمًا*بصرصرةٍ تُبيدُ بغيرِ حسِّ
كأن الطير حطّ على رؤوسٍ*لِبكمِ جسوم عُميانٍ وخرسِ
وطبَّق شَدق شانِئه وأنفا*(خوزيهُ) بِخِزيِ لم ينْبس بِنبسِ        (شدق:جانب الفم مما تحت الخد )
فأقحمَ أحمقًا لِلِزامِ فطنٍ*يُراقبه كما ظلٍّ لِشمسِ
وراحَ مبررًا بِسواهُ عجزًا*وتلك سفالة الطّبع الأخسِّ
كمِثلِ الجِروِ نابحةٌ لُهاهُ*ومُقْعِ العضَّ بين هَرٍ ولحسِ              (المَقْعُ: أشد الشرب)
وخطّ تميمةً عن سِفرِ متَّى*نماها أسقُفٌ عن ديْرِ قِسِّ
ليُحرزَ من طلاسِمِها نجاةً*ألا بئس النجاة بمكرِ دسِّ
وأوضعُ ميتةٍ مَحْيا وضيعٍ*تراءى كشفَ سوءتِه كتِرسِ         
وهيهاتَ انبساطكَ قطَّ نفسٍ*إذا ما آذنَت مسرىً لقُدسِ
أَأرجنتينُ عاذرُ لو تتيهي*على فخِذَيْ كِلابِ وعبدِ شمسِ
فتاكِ أتاكِ تالِدَةَ المعالي*بطارِفِ سنِّ ما احتلَمت بلَعسِ  (تالِد: قديم, المال القديم. طارِف: المستحدث)
وسحرٍ لاقفٍ إفكَ الأوالي*فما (فيجو) ولا (زيزو) الفرنسي  
وما متسامِحٌ رحبُ السّجايا*كمن نَطح الترائبَ نطحَ تيْسِ
فلا بالرِّيشُ يا (بِرِّيشُ) يُكنى*إذا أنصَفتَ أو سِلك الّدَمقْسِ              (الدمقس: الحرير, القز)
ولا بِرهافةِ الأسَلِ المواضي*ولا بِمِراسِ عنترةَ بن عَبسِ
وهل عدلٌ عِدادُكَهُ بقومٍ*قُصارى جهدهم إعلانُ (بيبسي)
فقد تُعيي الذراع العَبلَ نابٌ*وتسلِسُ قودها لأكفِّ مُلسِ
تبارك من أوى طه يتيمًا*وطهَّر آله من كلِّ رجسِ
قضى له من أخي مصر قضاءً*غداةَ شَروهُ مزهودًا بفَلسِ
ولم يُبرئه طبٌّ أو دواءٌ*ولم يَحمَده نطسٌ إثرَ نَطْسِ
فأظهره بِـ ـكُن ربٌ مكينٌ*وكاف الله في قطعٍ كفأسِ
وأورثه من النُّعمى كحظِّ الذُ*كورِ وفاضلُ الدنيا بسُدسِ
وتوَّجَه العلا دون البرايا*وما شُمُّ المعاطِس مثل فُطس  (فطس:من انخفضت قصبة أنفه. شُم:من أشّم وتعني ذو ارتفاع )
فلو رُهِنت بصفقته الثريا*تُسامُ لَبيعَ مبخوسًا بِوَكسِ            (وكس: النقص)
فقُل للضاحكين على (رِيالٍ)*وكثرةُ  ضحكهم للقلبِ تقسي
لقاءُ إيابنا بالثأر يضْرى*وفخرُ غدٍ لِعار الأمس ينسي
سوى أنّي أحاذر قزم قومٍ*يُحلُّ غدي بصولته كأمسِ
يُهشِّم كُديَتي ويفُتُّ صخري*فيُثكِلني على (صخري) كـ(خَنسِ)
ألا يا ليتَ شعرَ غدي أَيُومي؟*فَيُفضيني القضا رمزًا بهمسِ
أَأُمني ذات قرحٍ في شفاءٍ*أَأُجري ذات لوحٍ فوقَ يَبسِ؟
وأيُّ التّبلِ يُطلب في إيابٍ*و خزرجُه الأولى فتَكَت بأوسِ                (التبل: العداوة, الحقد)
فليتكَ مسبلَ القمصانَ بيضا*ء لا زُرقًا محمرةً بوَرسِ
وليتكَ والمُنى جُلِست منالا*فتنهاني بـ لا لِقنوط يأسِ
وإنّ غدًا يَضمّك (سانتياغو)*فذاك غدٌ ينيرُ بغيرِ شمسِ
بَترتُ بنانتي ووَأَدْتُ شِعري*كسرتُ يراعتي وسكبتُ نِقسِي     (نِقس: المداد)
وعُظتُكَ منطقًا يُطريكَ إلا*جزالةُ (أحمدٍ) وبيانُ (قِسِّ)
يُكاثِرُ فيك مُمتدحًا لساني*أحاديثًا مُسنَّدةً لِدَوسي
يُسَوِّغُني بأنك كشفُ حَجبي*ونفسَك في حلولِ الروحِ نفسي
كلانا المجدُ زمَّل مِنكبيهِ*على متنيْكُما بُردي ولُبسي  
وما كُرهًا ولا غَصبًا ولكن* حَبانا ما حبا عن طِيبِ نفسِ
فَفوْتُك في الرياضة ذي الذّراري*كفَوتيَ في القريضِ بنيَّ جنسي
نُدانى منهُمُ نأيًا كبدرٍ*دنا ضوءً ولم يُطرق بِمسِّ
ولو بُعِثت عُكاظ لبايعتني*يدَا ذُبيانها بيمينِ غمْسِ
ولو مُسِخ (الريالُ) لسانَ صدقٍ*حباك بها فِدا نَعليْكَ رأسي
قتيل أسىً وظهر الأرض رمسي*لدهرٍ جدّ في دهسي وهرسي
كأني في مواجهة الليالي*دفاعٌ مبتلىً بقدومِ ميسّي

رابط للقصيدة على موقع dailymotion


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق