الجمعة، 22 فبراير 2013

خاطرة: من رحمها أتيت



من رحمها أتيت

كل الناس بدأوا من نطفة, فعلقة, فمضغة وإلى آخر تلك المراحل, حتى خرجوا لحظة الولادة صارخين في وجه الدنيا. يقضون في أرحام أمهاتهم تسعة أشهر, ويعتمدون عليها ليتغذوا ويشتد عودهم. أما أنا فقد قضيت أشهري التسعة في رحمين: رحم أمي ورحم اللغة العربية. في كل مرحلة كنت أنطق بحروفها, وأسمع مع أمي القصائد والقصص والمقالات. أتى الألف والباء وثم لحقت باقي الحروف, وفي تلك المراحل كانت مجرد حروف مبعثرة ولم أملك القدرة على تجميعها في قوالب الكلمات. لكن هذه الحروف كانت تؤنسني وتبعث في قلبي أحاسيس الحب والدفء والانتماء. دم أمي لم يحمل إليّ غذاء الجسد وحسب, بل حمل لي ما يغذي فكري وروحي. فبكلّ صفحة دَرسَتها وبكل كلمة قَرأَتها تشكّلت أعضائي وعظامي وسال بها دمي. فلا عجبٌ إن احتلت هذه اللغة مكانةً كبرى في قلبي, فبها عُجنَ قلبي. ولا عجبٌ إن ظلّت هي ملكتي الأولى وإن تعلّمت غيرها من اللغات. لمّا حانت ساعة المخاض, واشتدّ الطلق وعلَت صرخاتُ أمي, استعدت الحروف لتخرج معي. ولمّا خرجتُ لم أصرخ بصراخ الأطفال, بل صرختُ بآخر حرف من الهجائية, وبـ(الياء) بدأت حياتي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق